الخميس، 22 أبريل 2010

نهضة الأقطار العربية

نهضة الأقطار العربية

لا ريب في أن النهضة واقعة في الأقطار العربية ، مستطيرة في أرجائها استطارة الشرر يُضرم في كل جهة ناراً حامية ، ويستمد من كل ما يتصل به لعنصره الملتهب ، ولا ريب في أن الشرق قد تفلّت من أوهام السياسة وخرافاتها ، وقد اختلف عن الغرب بعد أن طابقه زمناً ، وتابعه مدة ، وعرفه بمقدار ما بلاه ، وكذبه بمقدار ما صدقه ،ونفر منه بقدر ما اطمأن إليه ، ولا ريب في أن العقل الشرقي قد تطور وأدرك معنى نكث العهد ونقد الشرط في السياسية الغربية ، وعلم أن ذلك هو بعينه العهد والشرط في هذه السياسة ما دامت المفاوضة والتعاقد بين الذئب والشاة ...

إن الجواب على نهضة أمة نهضة ثابتة لا يكون من الكلام وفنونه ، بل من مبدأ ثابت مستمر يعمل عمله في نفوس أهلها ، ولن يكون هذا المبدأ كذلك إلا إذا كان قائماً على أربعة أركان : إرادة قوية ، وخلق عزيز ، واستهانة بالحياة ، وصبغة خاصة بالأمة .

فأما الإرادة القوية فلا تنقص الشرقيين ، وإنما الفضل فيها لساسة الغرب الذين بصّرونا بأنفسنا إذ وضعونا مع الأمم الأخرى أمام مرآة واحدة وجعلوا يقولون مع ذلك إننا غير هؤلاء ، وإن هذا الإنسان الذي في المرآة غير هذا القرد الذي فيها ...

ولكن أين الخلق وأين العزة القومية وأين العصبية الشرقية، وهذه مفاسد أوروبا كلها تنصب في أخلاق الشرقيين كما تنصب أقذار مدينة كبيرة في نهر صغير عذب ، فلا الدين أبقى فينا أخلاقاً ، ولا الأخلاق بقيت فينا ديناً ، وأصبحت الميزة الشرقية فاسدة من كل وجوهها في الروح والذوق ، ولم يعد لنا شيء يمكن أن يسمى المدنية الشرقية ، وأخذ الحمقى والضعفاء منا يحاولون في اصلاحهم أن يؤلفوا الأمة على خلق جديد ينتزعونه من المنية الغربية ، ولا يعلمون أن الخلق الطارئ لا يرسخ بمقدار ما يفسد من الأخلاق الراسخة .

لست أقول إن نهضة الشرق العربي لا أساس لها ، فإن لها أساساً من حمية الشباب ، وعلم المتعلمين ، ومن جهل أوروبا الذي كشفته الحرب ، ولكن هذا كله ، على قوته وكفايته في بعض الأحيان لإقامة الأحداث الكبرى واهتياج العواصف السياسية ، لا يحمل ثقل الزمن الممتد ، ولا يكفي لأن يكون اساساً وطيداً يقوم عليه بناء عدة قرون من الحضارة الشرقية العالية ، بل ما أسرعه إلى الهدم والنقض لو صدمته الأساليب اللينة من الدهاء الأوروبي على اختلافها إذ قدر لأوروبا أن تفوز بأسلوبها الجديد ، أسلوب استعباد الشرق بالصداقة ، على طريقة ادعاء الثعلب للدجاج أنه قد حج وتاب وجاء ليصلي بها .

إن هذا الشرق في حاجة إلى المبادئ والأخلاق ، وهي مع ذلك كامنة فيه ، ومستقبله كامن فيها ، غير أنها لا تصلح في الكتب ولا في الفنون ، بل في الرجال القائمين عليها ، فالقلوب والأدمغة هي أساس النهضة الصحيحة الثابتة .


مصطفى صادق الرافعي





في المنتدى..

نهضة الأقطار العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق